ووفق مصادر حكومية فرنسية لصحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن الصفقة التي يرجح أن تصل قيمتها إلى 170 مليون دولار بين المجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني وشركة روساتوم الروسية، تهدف إلى نقل اليورانيوم من مخزون منجم أرليت في شمال النيجر، حيث تخزن نحو 1400 طن متري من الكعكة الصفراء، إلى ميناء لومي في توغو قبل شحنه إلى روسيا.
يتمحور النزاع الحالي حول 1400 طن متري من الكعكة الصفراء مخزنة في أرليت، بقيمة سوقية تقدر بحوالي 250 مليون يورو، إذ يدعي كل من أورانو والنيجر ملكية المخزون.
وأصدرت محكمة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار حكما يلزم النيجر بعدم بيع أو نقل أي جزء من اليورانيوم إلى أطراف ثالثة.
تواجه النيجر ضائقة مالية كبيرة منذ عام 2024، ما دفعها لمحاولة بيع مخزون أرليت لعدة دول، بينها إيران والصين، لكن المفاوضات مع روسيا تقدمت بشكل أسرع.
تنطوي الصفقة على مخاطر مزدوجة: أولا، التهديد الأمني أثناء النقل عبر مناطق مسلحة في الساحل الإفريقي؛ وثانيا، التداعيات الدولية على علاقات النيجر مع فرنسا والدول الغربية، خاصة مع استمرار النزاع القانوني بين أورانو والحكومة النيجرية.
خبراء يحذرون
وتحت وطأة الحاجة، فإن النيجر مجبرة على الرضوخ لأي صفقة تساعدها في التخفيف من آثار أزمتها الاقتصادية الخانقة، وهو ما سيحتم توقيع صفقات تعيد توجيه تصدير اليورانيوم نحو الموانئ الإفريقية الأقرب، التي يمر الطريق إليها بمناطق أصبحت مسرحا للتنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة.
وتشتعل هذه الحدود بمنافسة قوية بين التنظيمين الأكثر دموية (القاعدة وداعش)، مع تمركز أكبر لتنظيم داعش نحو النيجر أكثر منه في مالي التي بات تنظيم القاعدة يطوق عاصمتها باماكو.
ويقول الخبير الأميركي في شؤون غرب إفريقيا مايكل شوركين إن المسار المحتمل للشحنة، انطلاقا من أرليت شمالي النيجر مرورا بأغاديز وزيندر وصولا إلى ميناء لومي في توغو، يضع دول الساحل ودول غرب أفريقيا أمام تهديدات مباشرة.
ويوضح شوركين، أن الهدف الأول من سيطرة الجماعات الإرهابية على هذه الشحنة سيكون العمل على بيعها في السوق السوداء والاستفادة من تمويل نشاطها في المنطقة، مما ينعكس بمزيد من العمليات الإرهابية.
“الكعكة الصفراء”
ولفت إلى أن “الكعكة الصفراء” قد تتحول إلى مورد مالي ثان بعد الذهب، خصوصا مع الفارق الكبير في القيمة، إذ يصل سعر كيلو الذهب إلى نحو 30 ألف دولار مقابل 154 – 182 دولارا فقط للكيلوغرام من اليورانيوم الخام.
أما الخطر الثاني هو أن الجماعات الإرهابية ستصبح فاعلة على الأرض وهي المتحكمة في مسار تصدير يورانيوم النيجر عبر سيطرتها على طرق النقل البري من النيجر الى الساحل الغربي الإفريقي، وفي هذه الحالة سوف يؤدي إلى قطع تدفق الإيرادات للمجلس العسكري في نيامي وبالتالي زيادة الضغوط الاقتصادية على النيجر، بحسب شوركين.
اليورانيوم في قلب صراع الجماعات المسلحة
من جانبه، يرى الخبير الفرنسي غوتييه باسكيه، أن التوترات بين جماعات الإرهاب في منطقة الساحل، إلى جانب عزلة المجالس العسكرية، قد تسبب “عاصفة عاتية” يكون للنيجر ومناجم اليورانيوم فيها موقع محوري.
وذكر باسكيه بسوابق استهداف مواقع اليورانيوم في النيجر وخاصة منجم سومير في عام 2010 حيث اختطف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي 5 فرنسيين واثنين من موظفي المنجم الإفريقيين في بلدة أرليت المجاورة.
وفي عام 2013 فجر التنظيم سيارة في المنجم مما أسفر عن مقتل موظف وفي عام 2016 تبنى لواء الناصر التابع للتنظيم هجوما صاروخيا على المنجم دون وقوع إصابات.
ويضيف الخبير الفرنسي أن وصول الجماعات الإرهابية إلى مادة “الكعكة الصفراء” قد يهدد المجتمعات المحلية، ليس عبر تصنيع أسلحة نووية، وهو أمر يتطلب تقنية متقدمة، ولكن عبر استخدامها في أجهزة تشتيت إشعاعي لإيجاد تلوث وفوضى واضطراب اقتصادي.
كما نبه باسكيه، إلى إمكانية تحول هذه التنظيمات إلى “تجار ظل” في سوق المواد النووية الخام، وبيعه لأطراف تهدد اسقرار المنطقة أو العالم يجعل من الشحنة هدفا مشروعا لهذه الجماعات إما للحصول على التمويل او التوصل بصفقات تبادلية لشراء أسلحة وأدوات للتمدد والنفوذ في المنطقة، كما تعد رسالة على ضعف المجالس العسكرية في دول الساحل الإفريقي.
ووفق تقديرات عديدة قد أدي نفوذ الجماعات الإرهابية إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي حيث تضغط المجالس العسكرية على شركات التعدين للحصول على أموال لمكافحة الإرهاب وسط انتشار الهجمات.
النقل البري.. الخيار الأكثر خطورة
ويرى المحلل التشادي جبرين عيسى أن النقل البري هو الخيار الأكثر ترجيحا لشحنة بهذا الحجم، لكنه الأكثر خطورة في الوقت نفسه، فالمسار من أرليت حتى لومي يمر عبر مناطق تنتشر فيها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وعناصر داعش، ما يرفع مستوى التهديد.
ويضيف مع أن هذه الجماعات قد لا تستفيد بشكل مباشر من المواد المشعة، إلا أنها قد تبيع الشحنة في السوق السوداء لتحقيق مكاسب مالية أو تستولي على المركبات أو القوافل المرافقة.
كما يمكن أن تكون الهجمات على القافلة ذات طابع رمزي حيث تستهدف رمزا لسلطة الحكومة النيجيرية حيث يتطلب نقل الشحنة من شمال النيجر إلى لومي مرافقة أمنية مكثفة ومن المرجح أن تشمل هذه المرافقة شركات روسية أو شركات أمن خاصة أو قوات روسية خاصة إلى جانب القوات النيجيرية، مما يزيد بشكل كبير من تكلفة العملية ومخاطرها الإجمالية، بحسب عيسي.


