فقد أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم براك، أن الحكومة السورية ستتعاون في مواجهة الحرس الثوري الإيراني، وحركة حماس وحزب الله، بالإضافة إلى تنظيم داعش.
هذه التصريحات تشير إلى تحول سوريا من موقع المتهم بالإرهاب إلى شريك فاعل في مكافحة الإرهاب، لأول مرة منذ عقود، ما يعكس إعادة ترتيب للتوازنات الإقليمية بعد سنوات طويلة من الانخراط السوري ضمن المحور الإيراني.
جاءت هذه التطورات على خلفية زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، ما يعكس رغبة الولايات المتحدة في إعادة صياغة التحالفات الإقليمية بما يضمن شراكات سياسية وأمنية جديدة، تشمل دمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة، وإعادة تعريف العلاقات التركية السورية الإسرائيلية بما يقلل الاحتكاك ويحول دون انفجار الجبهات، وفقا لتصريحات براك.
التحولات الأمنية
حسب براك، سوريا انتقلت من محور النزاعات الإقليمية والمسرح الدولي للتقاطعات المتشابكة إلى شريك محوري في مكافحة الإرهاب، حيث التزمت للمرة الأولى بمواجهة بقايا تنظيم داعش والمجموعات الإيرانية المسلحة، بما فيها فيلق القدس وحزب الله وأنصار الله
وأشار براك إلى أن هذا التحول يعكس انتقال سوريا من توجيه إقليمي إلى آخر، مع رسم خارطة نفوذ جديدة تقودها الدول الإقليمية ذاتها، بعيدًا عن الإملاءات الغربية، ويعد رفع العقوبات عن دمشق شرطا ضروريا لضمان استقرار الاقتصاد والقدرة على الشروع في أي مسار سياسي مستدام.
تفكيك المحاور وبناء تحالفات جديدة
يرى الكاتب والباحث السياسي مصطفى النعيمي خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن المتغيرات الراهنة تمثل مرحلة استراتيجية في تفكيك التحالفات السابقة وبناء تحالفات جديدة منذ مطلع عام 2024.
وأوضح أن هذا التحول جاء بعد تجاوز إيران للخطوط الحمراء التي وضعت لها وظيفيا ضمن عمليات تفكيك المنطقة منذ الفوضى الخلاقة عام 2003، والتي دخلت من خلالها إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وأشار النعيمي إلى أن الهدف من هذا التحول لا يقتصر على اقتلاع النفوذ الإيراني فحسب، بل يشمل أهدافا مشتركة لكل من صانع القرار السوري والأميركي، تتمثل في إعادة تعريف الإرهاب وتشمل جماعات مدعومة من إيران، بالإضافة إلى ميليشيات الولائية متعددة الجنسيات.
وأضاف أن بناء التحالفات بدأ تكتيكيا مع الحكومة السورية، وانتقل اليوم إلى مستوى استراتيجي يشمل التنمية وإعادة الاستقرار، مع التأكيد على استمرار المخاطر والتهديدات الإيرانية، رغم الانتصارات المرحلية التي تحققت.
وأكد النعيمي أن سوريا انتقلت من “العباءة الشرقية” إلى “العباءة الغربية”، وفق تحالفات رسمتها القيادة السورية تشمل الرئيس ووزارات الدفاع والخارجية والداخلية والاستخبارات، مع القدرة على تحديد مسار التنمية بعد إزالة التهديدات التي دمرت البلاد.
وأوضح أن هناك رفضا واضحا للهيمنة الإسرائيلية، سواء على المستوى الجوي أو البري، في ظل تداخل المصالح الإيرانية والإسرائيلية سابقًا على الأراضي السورية، من خلال بناء مستوطنات وحواجز عسكرية، وإدخال سكان مدنيين من خارج البلاد.
وأشار إلى أن انهيار الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات في نهاية العام 2024، عقب الضربات العسكرية والتحركات الميدانية، أتاح إعادة ترتيب أولويات الأمن الداخلي، مع التحذير من أي محاولات انقلابية أو تدخلات خارجية، مؤكدا أن الولايات المتحدة تعمل مع القيادة السورية كدولة.
وأكد النعيمي أن أي قرار بنزع سلاح حزب الله سيكون بالتنسيق مع القيادة السورية والولايات المتحدة، مع إمكانية تدخل طرف ثالث برعاية أممية، وهو ما يعكس التزام دمشق بالتفاهمات الدولية والإقليمية، ويؤكد على دور سوريا المؤثر في تحقيق الأمن الإقليمي المستدام، مشيرًا إلى أن انهيار النفوذ الإيراني في سوريا يمثل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار المستدام في المنطقة، مع التركيز على الأمن الدولي وأمن الطاقة، بعد انتهاء مرحلة استخدام إيران للفوضى الإقليمية لتحقيق مصالحها.
مصالح الشعب السوري مقابل المصالح الأميركية
من جهته، أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة قم، أحمد مهدي، إلى أن إيران تفصل بين مصلحة الشعب السوري ومصالح الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، معتبرا أن هذين الأمرين منفصلان ولا يمكن خلطهما.
وأوضح أن التجارب السابقة أظهرت أن الولايات المتحدة تتبع مصالحها الذاتية، وليس مصالح الشعب السوري، مشيرا إلى التدخلات الأميركية في تعيين مبعوثين وفرض عقوبات، واحتلال أراض سورية غنية بالنفط في الشمال والشرق، بالإضافة إلى غياب أي اعتراض أميركي على التوغل الإسرائيلي في القنيطرة واقتراب الجيش الإسرائيلي من دمشق.
ولفت مهدي إلى أن إيران قدمت دعما مباشرا لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية في مواجهة إسرائيل، وأن هذه الفصائل، رغم الانتقادات الغربية، كانت جزءا من جهود حماية سوريا والدفاع عن مصالحها الإقليمية.
وأكد أن ما يحدث حاليا يظهر بوضوح أن التحولات الإقليمية تصب في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، وليس الشعب السوري، معتبرا أن الحكومة السورية الجديدة مطالبة أولًا بمعالجة مشاكلها الداخلية، وتحرير أراضيها من التدخلات الأجنبية، قبل الانخراط في أي ترتيبات إقليمية.
وأشار مهدي إلى أن الحكومة السورية الجديدة أمام تحديات كبرى تتمثل في إعادة توحيد الجيش السوري، ودمج القوات المحلية والميليشيات المختلفة، وإعادة السيطرة على مناطق شمال شرق البلاد التي استقطعتها بعض الميليشيات الكردية، مؤكّدًا أن أي سياسة أمنية فعالة يجب أن تركز على مصالح سوريا وشعبها، وليس على المصالح الأميركية أو الإسرائيلية.


