وهذا التوجه دفع بالعديد من الأفراد إلى امتلاك أكثر من أربع أو خمس بطاقات دفع إلكترونية، بهدف الاستفادة القصوى من المزايا التي تقدمها كل بطاقة على حدة. فعلى سبيل المثال، قد يمتلك الفرد بطاقة للسحب اليومي من البنك، وأخرى للمشتريات عبر الإنترنت، وثالثة لبرنامج مكافآت للسفر، ورابعة لبرنامج استرداد نقدي على المشتريات اليومية، وخامسة للاستفادة من عروض خاصة بالتسوق في متاجر معينة.
ورغم أنه لا يوجد إحصاء رسمي عالمي يؤكد عدد حاملي بطاقات الدفع الالكترونية في العالم، إلا أن بعض التقديرات والبيانات تشير إلى أن عدد هؤلاء يتراوح بين 3.3 و 4 مليارات شخص، في حين تُطهر بيانات مؤسسة الأبحاث المالية المتخصصة The Nilson Report، أنه حتى نهاية عام 2023 وبداية 2024، كان هناك حوالي 17.45 مليار بطاقة ائتمان وخصم ومسبقة الدفع، متداولة في جميع أنحاء العالم.
أبواب خطر في محفظتك
غير أن التراكم غير المدروس لبطاقات الدفع قد يحوّل هذه الأدوات المالية إلى “أبواب خطر” حقيقية، إذا لم يتم استخدامها بطريقة مدروسة، فكل بطاقة مصرفية إضافية تزيد العبء الإداري والمالي على صاحبها، إذ أن تعدد البطاقات في المحفظة يفتح الباب أمام الإنفاق المفرط وضعف الانضباط المالي، ويجعل من الصعب مراقبة النفقات واتخاذ قرارات مالية متوازنة.
كما أن التوسع في حمل بطاقات الدفع، يضاعف مخاطر الفقدان والتعرّض للاحتيال، ويزيد الأعباء الناتجة عن الرسوم السنوية أو الفوائد المتراكمة، ما ينعكس في نهاية المطاف ضغطاً نفسياً وتوتراً مالياً متصاعد على الفرد.
العدد المثالي
ويشير الخبراء المصرفيون إلى أن العدد المثالي لبطاقات الدفع التي ينبغي على الفرد أن يحتفظ بها، يتراوح بين بطاقتين إلى ثلاث بطاقات كحد أقصى، وهو ما تؤكده أيضاً دراسات صادرة عن مؤسسات مالية دولية مثل Bankrate وExperian، إذ تبيّن أن الاحتفاظ بعدد محدود من البطاقات يساعد الفرد على تعزيز السيطرة على إنفاقه ويرفع من درجة ائتمانه. فامتلاك بطاقة دفع واحدة على الأقل أمر ضروري في العصر الحالي، بينما تُضاف الثانية لتغطية الأغراض المختلفة كالمشتريات عبر الإنترنت أو السفر، أما تجاوز هذا العدد فيعتبر أمراً غير عملي، لأنه يزيد من احتمالات تراكم الديون، ويشتت عملية مراقبة النفقات، خصوصاً مع اختلاف مواعيد تسديد الفواتير المترتبة على كل بطاقة.
وبحسب شركة NerdWallet الأميركية للتمويل الشخصي، فإن المستهلكين الذين يمتلكون أكثر من ثلاث بطاقات دفع، غالباً ما يواجهون صعوبة في تتبّع استحقاقاتهم الشهرية، ما يرفع مخاطر التأخر في السداد ويؤثر سلباً على تصنيفهم الائتماني.
لماذا يبالغ الناس في امتلاك بطاقات الدفع؟
ويقول الخبير في الإدارة المالية حسان حاطوم، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن السبب الرئيسي لمبالغة الناس في امتلاك بطاقات الدفع يكمن، في انجذابهم نحو المزايا المختلفة التي تقدمها، سواء كانت نقاط مكافآت أو استرداد نقدي (Cashback) أو خصومات سفر أو حتى عروض خاصة بالتسوق عبر الإنترنت، فالكثير من الأفراد يعتقدون أن امتلاك المزيد من البطاقات المصرفية، يعني تعظيم المكاسب، لافتاً إلى أن السبب الثاني للمبالغة في امتلاك بطاقات الدفع يعود إلى سعي الأفراد لتنويع مصادر الائتمان، وتأمين حد ائتماني مرتفع يمنحهم مرونة مالية أكبر، دون إدراك أن هذه الخطوة تتسبب بعبء إداري ومالي مُرهق.
ويشرح حاطوم أن تعدد البطاقات المصرفية، لا يعني بالضرورة مزيداً من المرونة المالية، بل أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى سلوك استهلاكي مفرط، إذ يميل الأفراد إلى إنفاق الأموال أكثر عند توفر وسائل دفع متعددة، ما يقلل من وعيهم بالإنفاق الفعلي ويضعف من قدرتهم على الادخار، كما أن متابعة مواعيد تسديد الفواتير والمعدلات المختلفة للفوائد، يُصبح أكثر تعقيداً، ما يرفع من احتمال تراكم الديون عليهم، مشيراً إلى أن الدراسات أظهرت أن الأشخاص الذين يحملون أكثر من 3 بطاقات، غالباً ما يجدون صعوبة في التحكم بنفقاتهم الشهرية.
المكافآت تزيد الإنفاق
ويضيف حاطوم أن تعدد بطاقات الدفع لا يؤثر فقط على الإدارة المالية للفرد، بل يمتد تأثيره إلى البعد النفسي والاجتماعي، فهذا السلوك قد يولّد شعوراً بالضغط المستمر لمراقبة العروض والاستفادة من المكافآت، فيجد الفرد نفسه مضطراً لتتبع كل عرض وكل نقطة مكافأة، في حين يميل بعض الأشخاص إلى الإنفاق العفوي أو المبالغ فيه خوفاً من فقدان الفرصة، حتى لو لم تكن هناك حاجة حقيقية للشراء، وبالتالي تتضاعف هنا المخاطر المرتبطة بالإجهاد المالي والقلق النفسي، مما يؤدي إلى شعور دائم بعدم السيطرة على الموارد المالية الشخصية، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يمتلكون مستوى دخل ثابت.
ما الحل؟
من جهته يقول المحلل الاقتصادي جوزيف زغيب، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التحكم في عدد بطاقات الدفع وترتيب أولويات استخدامها، يُعد خطوة أساسية لتخفيف الضغط النفسي والإداري، حيث ينبغي على الأفراد التركيز على البطاقات، التي تلبي احتياجاتهم الأساسية دون تحميل أنفسهم أعباء مالية إضافية، مشدداً على ضرورة وجود بطاقة مصرفية واحدة على الأقل في المتناول، وذلك لإتمام المدفوعات الضرورية للمعاملات اليومية مثل سحب النقود أو الدفع الفوري للفواتير، في حين أن توافر بطاقة ثانية يمنح مرونة أكبر، خصوصاً في حال حدوث أي طارئ، أما تجاوز هذا العدد فيتحوّل في الغالب إلى عبء مالي ويزيد من احتمالات فقدان السيطرة على النفقات.
كيف تختار بطاقاتك بحكمة؟
ويلفت زغيب إلى أنه عند اختيار أي بطاقة دفع، يجب على الفرد مراعاة الرسوم السنوية وأسعار الفائدة المترتبة عليها، لتجنّب التكاليف الخفية التي قد تتراكم بمرور الوقت، دون أن يلحظها المستخدم، موضحاً أن كثيراً من المستهلكين ينجذبون للعروض الترويجية أو المكافآت الفورية، ولكنهم يتجاهلون بنود الشروط المتعلقة برسوم التجديد أو نسب الفائدة المرتفعة على المبالغ غير المسددة.
ويضيف زغيب إن الاختيار الذكي لبطاقة الدفع، يقوم على مبدأ الموازنة بين المزايا والتكاليف، بحيث تتناسب البطاقة مع طبيعة إنفاق الفرد ودخله الشهري، لافتاً إلى أن البطاقات ذات المكافآت العالية، قد لا تكون دائماً الخيار الأمثل، إذ أن تكاليفها السنوية تكون مرتفعة، وقد تتطلب معدلات إنفاق تفوق الاحتياجات الفعلية لحاملها.


