واعتبر مختصون تربويون وقانونيون عمليات تجنيد الأطفال “جريمة صريحة”، محذرين من انتهاك قواعد القانون الدولي والمحلي بالزج بالأطفال في الصراع المسلح في إطار الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2019، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 150 الف شخص حتى الآن وتشريد الملايين، وحرم نحو 15 مليون طفل من الدراسة لأكثر من عامين.
وتعرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف”، الطفل المجند بأنه أي فرد دون سن 18 عاما جُند من قبل قوة أو جماعة مسلحة، ويشارك في نزاع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ووسط دعوات تقودها قيادات في تنظيم الإخوان الداعم للجيش لتجديد حملات الاستنفار الشعبي بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر – آخر معاقل الجيش في دارفور، وتقدمه في عدد من مناطق إقليم كردفان المجاور، تزايدت الدعوات للتحشيد الشعبي وعملت بعض الولايات على إغلاق المدارس لدعم تلك الدعوات.
لكن اللافت كان، ظهور أعداد كبيرة من الأطفال في عدد من المعسكرات، تم حشدهم وإلباسهم زيا عسكريا وتزويدهم بأسلحة يفوق وزنها في بعض الأحيان جسم الطفل النحيل. ووفقا لشهود عيان من داخل المعسكرات يجبر الأطفال على ترديد عبارات متطرفة كتلك التي كانت تغذي عقيدة الكتائب الإخوانية في تسعينيات القرن الماضي والتي انعكست سلبا على مجمل الأوضاع الأمنية في البلاد، وحولت طبيعة الحروب الأربع التي اندلعت في الجنوب ودارفور وكردفان والخرطوم في تلك الفترة وما تلاها من سنوات إلى حروب عقدية أكثر من كونها عمليات قتالية على أسس مهنية عسكرية.
وتتزايد المخاوف أكثر في ظل تقارير تحدثت عن لجوء مليشيات متحالفة مع الجيش إلى تجنيد أطفال لسد النقص في صفوفها التي تعاني من حالات هروب وانشقاقات مستمرة.
كيف يتم تجنيد الأطفال؟
تستفيد الجهات التي تنظم عمليات الاستنفار، من حالة الفراغ النفسي لدى الأطفال بسبب النزوح وإغلاق معظم المدارس لأكثر من عامين.
ويعيش ملايين الأطفال والأسر النازحة ظروفا قاسية، حرمت جيلا كاملا من حقه في التعليم، وسط حرب أدت إلى انهيار المؤسسات التعليمية في مختلف أنحاء البلاد.
ووفقا لمنظمات الأمم المتحدة، فإن الحرب حرمت نحو 15 مليون طفل من التعليم، في أكبر أزمة من نوعها على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي ظل وجود أكثر من 125 حركة مسلحة في البلاد، يلجأ أمراء الحرب إلى تجنيد الأطفال في تلك المليشيات.
بينما يتعرض العديد من الأطفال للمضايقة أو الترهيب من قبل القوات المسلحة، يُدفع آخرون للانضمام إلى الميليشيات كوسيلة للنجاة من الفقر المدقع المنتشر في السودان.
وتسبب الصراع الدائر في السودان في أزمة حادة في حماية الأطفال، حيث تعرض أكثر من 10 ملايين طفل لعنف وحشي نتيجة الهجمات العشوائية والمتعمدة التي شنتها قوات من الطرفين.
ووفقا للأمم المتحدة فإن هذه البيئة العدائية، إلى جانب تفاقم الأزمة الإنسانية، جعلت الأطفال عُرضة لعصابات الجريمة المنظمة وخطر التجنيد من قبل الأطراف المتنازعة.
وقالت الأمم المتحدة إن كل الأطراف المتقاتلة والقوات المتحالفة معها قامت بتجنيد أطفال.
وأكدت سيوبان مولالي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالاتجار بالبشر، استهداف المجموعات المسلحة الأطفال غير المصحوبين بذويهم والأطفال الفقراء في عدد من مناطق البلاد. وأوضحت “في ولاية نهر النيل، سُلِّم أطفال لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات بنادق آلية”.
ويتم الدفع بالعديد من الأطفال للانضمام إلى الميليشيات كوسيلة للنجاة من الفقر المدقع المنتشر بين أكثر من 70 في المئة من السودانيين، وفقا للأمم المتحدة.
وتنظر بعض العائلات إلى التجنيد على أنه عمل، حتى أن الآباء يدفعون أطفالهم إلى الجيش، بطلب من قيادات محلية، وفقا للناشط المجتمعي علي عبدالقادر.
ويوضح عبدالقادر لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تتنافس مجموعات مسلحة على تجنيد الأطفال ويستخدمون قيادات محلية ويقدمون إغراءات مادية لأسرهم وفي بعض الاحيان يقنعونهم بمبررات دينية أو وطنية”.
جريمة دولية
وفقا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة لأي سبب يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، وجريمة خطيرة، وخرقا للقانون الإنساني الدولي.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير القانوني معز حضرة أن كافة القوانين والمواثيق الدولية تجرم تجنيد الأطفال بشكل صريح وتعتبره جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
ويوضح حضرة لموقع “سكاي نيوز عربية”: “يعتبر تجنيد الأطفال جريمة كبيرة وفقا لنصوص الإعلان العالمي للطفل لسنة 1948 واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل للعام 1989 واتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 وعدد كبير من المواثيق والمعاهدات والقوانين المحلية، كما يعرف نظام روما الأساسي تجنيد الأطفال في القوات أو الجماعات المسلحة بأنه جريمة حرب”.
مخاطر تربوية
يتعرض الأطفال الجنود لصدمات بدنية ونفسية بالغة. وكثيرا ما يعانون من الخوف والقلق والاكتئاب والاندفاع وفرط النشاط وانخفاض تقدير الذات، مما يصعب عليهم إعادة الاندماج في المجتمع. كما أنهم أكثر عرضة لخطر تعاطي المخدرات، واضطرابات الغضب، والسلوك الإجرامي، والعزلة الاجتماعية. وفي العديد من الحالات ينخرطون في جرائم عنف خطيرة كالقتل والعنف الجنسي والتشويه، أو يعانون من ميول انتحارية.
ويعلق الباحث التربوي حسن عبد الرضي على صور الأطفال المجندين المنتشرة في وسائط التواصل الاجتماعي بالقول، “إنها صور لأطفال لا تليق بهم أوزار البالغين، فمكانهم الطبيعي هو فصول الدراسة والبحث عن لعبة لا عن سلاح”.
ومن وجهة النظر التربوية والإنسانية، يعتبر عبدالرضي تجنيد الأطفال وإشراكهم في الحروب “ليس خطأ عابرا، بل جريمة قانونية وتربوية ونفسية وثقافية تستدعي ردا مجتمعيا حازما”.
ويصف عبدالرضي عمليات التجنيد الواسعة للأطفال بأنها “عبث” لا مبرر له، ويحذر من أن الزج بالطفل في العمل العسكري يجرده من حق اللعب والتعلم.
ويبدي الباحث التربوي قلقه على مستقبل المجتمع بأكمله، مشيرا إلى خطورة استبدال الحقوق الطبيعية للطفل بصورٍ نمطية للعنف والعداء تكون هوية مشوهة، ويقول “تجنيد الأطفال يقوض مستقبل مجتمع كامل”.


