ووفق هذه المصادر، فإن “أداء السلطة السياسية هو السبب الرئيسي في بقاء البلاد حبيسة الشلل والتبعية”، وأن “الواقع يتجه نحو الأسوأ، وعلى الجميع الاستعداد لذلك”.
وتضيف المصادر أن واشنطن “سعت لتوفير مناخ يحفز حزب الله على معالجة جذرية وطوعية لسلاحه”، إلا أن “أطرافا رئيسية في بيروت رفضت الاندفاعات الجريئة، وفضلت الحفاظ على الوضع القائم”، وهو ما يجعل لبنان، بحسب تعبيرها، “دولة فاشلة”.
وتوضح المصادر أن “لحظة التغيير التي أوجدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ولت”، وأن الإدارة الأميركية الحالية “ستعود إلى الإيقاع الدبلوماسي الطبيعي”، معتبرة أن لبنان بات “الدولة الوحيدة التي ترعى منظمة إرهابية أجنبية كجزء من قيادتها السياسية”، في إشارة إلى حزب الله.
لبنان أمام أزمة عميقة وتدفق تهريب السلاح
من جانبه، اعتبر المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية ألون أفيتار أن لبنان يعيش أزمة عميقة وجوهرية، تشهد تصاعدا في التوترات، ليس فقط في الجنوب بل في الشمال والمركز أيضا.
وقال خلال حديثه إلى التاسعة إن “حزب الله يعمل على توسيع عمليات تهريب الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى لبنان”، مشيرا إلى أن الداخلية السورية ضبطت قبل أسبوعين صواريخ من نوع كورنيت كانت في طريقها إلى لبنان، ما يؤكد استمرار ظاهرة التهريب برعاية إيرانية مباشرة.
وأوضح أفيتار أن الحزب يسعى في الوقت نفسه إلى ترميم قواته ومواقعه العسكرية فوق الأرض وتحتها، وبناء الأنفاق والمخازن مجدداً في الجنوب والشمال، رغم الضربات العسكرية التي تلقاها قبل عام.
وأضاف أن هناك ضوءا أخضر من القيادة الأميركية لإسرائيل لاستمرار عملياتها الجوية لمنع إعادة تسليح حزب الله، مشيرا إلى أن كل الاحتمالات مفتوحة، وأن إسرائيل لن تقبل بتكرار موجة التصعيد السابقة.
وذكر أفيتار بأن الحكومة اللبنانية كانت التزمت سابقا، بوساطة أميركية وفرنسية، بتفكيك سلاح حزب الله ونزع السلاح من جنوب لبنان، لكن رغم الإعلانات والتصريحات، لم يحدث أي إجراء فعلي على الأرض.
ضياع الفرصة والعودة إلى الإيقاع الدبلوماسي البطيء
أما الكاتب والباحث السياسي إبراهيم ريحان، فاعتبر أن ما نقلته المصادر الأميركية يشير إلى ضياع فرصة تاريخية كان على لبنان اغتنامها.
وقال إن واشنطن كانت تتوقع من بيروت خطوات حاسمة لنزع السلاح وحصره بيد الدولة، خاصة شمال نهر الليطاني، لكن الدولة اكتفت بإجراءات محدودة في بعض المخيمات الفلسطينية.
وأضاف أن الحوار الذي فتح مع حزب الله ظل بلا أفق ولا جدول زمني، مما أدى إلى تآكل الثقة الدولية بقدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ قرارات مجلس الأمن 1701 و1680.
وأشار ريحان إلى أن زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الأخيرة جاءت لتؤكد هذا الإحباط، خصوصاً مع تزايد وتيرة الغارات الإسرائيلية والاغتيالات في جنوب لبنان وشمال الليطاني، وصولا إلى البقاع والضاحية الجنوبية، متوقعاً أن تلجأ إسرائيل إلى الضغط عسكرياً على الدولة اللبنانية لتنفيذ التزاماتها الدولية وإقفال معابر التهريب مع سوريا.
واشنطن فقدت الأمل في التغيير ولبنان تحت المجه
في السياق ذاته، قال مراسل سكاي نيوز عربية في واشنطن، مجدي يازجي إن التسريبات الأميركية الأخيرة تعكس حجم الإحباط من الطبقة السياسية اللبنانية، لافتاً إلى أن إدارة ترامب كانت تراهن على أن لحظة الضعف التي يمر بها حزب الله ستفتح الباب أمام تسوية كبرى في لبنان، ضمن خطة أشمل للسلام في الشرق الأوسط تبدأ من غزة وتمتد إلى بيروت.
وأوضح يازجي أن الإدارة الأميركية كانت تعتبر أن المؤسسات اللبنانية – الرئاسة والحكومة ومجلس النواب – مطالبة بالضغط على حزب الله لتسليم سلاحه طوعاً، من دون تدخل أميركي مباشر أو وجود جنود على الأرض.
وأضاف أن المصادر الأميركية حملت رئاسة الدولة والبرلمان والحكومة مسؤولية عدم استثمار الفرصة، معتبرة أن لبنان بات الدولة الوحيدة التي تتبنى رسميا منظمة إرهابية أجنبية في نظامها السياسي، مشيراً إلى أن “ذلك سيؤثر على المساعدات الأميركية المقدمة للجيش اللبناني، والتي كانت واشنطن تلوّح بتعليقها في حال استمرار التعطيل.
ورأى يازجي أن التسريبات الأخيرة تغلق الباب أمام أي مبادرة جديدة، إذ تعني العودة إلى سياسة باردة وغير متحمسة تجاه لبنان، وربما وقف الدعم المالي والعسكري مستقبلا، مشددا على أن الولايات المتحدة الآن تحمّل اللبنانيين مسؤولية مصيرهم السياسي والاقتصادي.
إسرائيل أداة التنفيذ والولايات المتحدة تضع الخطوط
من جهته، وصف محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية، نضال كناعنة التسريبات الأميركية بأنها “خطيرة جداً” من حيث المضمون والدلالات، معتبراً أن الولايات المتحدة هي اللاعب الأساسي والوحيد تقريباً في المشهد اللبناني، بينما باتت إسرائيل تنفذ توجهاتها على الأرض.
وأوضح كناعنة أن التوجه الأميركي واضح: لا قبول بتجميد الوضع الراهن أو بأنصاف الحلول. المطلوب هو الحسم، ووضع الحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتها في مواجهة حزب الله.
وأشار إلى أن إسرائيل صعّدت في الأيام الأخيرة من عملياتها العسكرية في لبنان، بدعم وتفويض أميركي، للضغط على بيروت وعلى الحزب معا، مضيفاً أن مصادر إسرائيلية أمنية أكدت أن على الحكومة اللبنانية أن تنزع سلاح حزب الله أو ستقوم إسرائيل بذلك، ولا حل ثالث.
وأكد كناعنة أن التسريبات الأميركية لا تعني أن واشنطن يئست من الحل، لكنها تمهد لمرحلة ضغط متزايد، قد تكون مقدمة لعمل عسكري محدود إذا فشل المسار الدبلوماسي.
تصاعد العمليات الإسرائيلية وتوازنات ميدانية هشة
يرى كناعنة أن لبنان يعيش مرحلة انتقالية دقيقة، تتكثف فيها العمليات الإسرائيلية من حيث العدد والقوة والجرأة”، متوقعاً “مزيداً من التصعيد بهدف اختبار ردود الفعل اللبنانية، ثم زيادة الضغط بشكل تدريجي.
ويضيف أن إسرائيل ترى في حالة التوازن الراهن بين الحكومة اللبنانية وحزب الله تهديداً لمصالحها الأمنية، وتسعى لكسره عبر تصعيد عسكري محسوب يخلخل المعادلة.
ويحذر كناعنة من أن الخطير في الموقف الأميركي الجديد أنه لم يعد يميز بين حزب الله كجناح عسكري وبين دوره السياسي، بل يتعامل معه كجسم غريب في النظام اللبناني يجب التخلص منه بالكامل.
ويصف ذلك بأنه تحول في الخطاب الأميركي، الذي كان في السابق يقبل بإبقاء حزب الله كحزب سياسي بعد نزع سلاحه، لكنه الآن يرفض حتى هذا الوجود السياسي، ما يعكس تصلباً في الرؤية الأميركية الجديدة.
ويقول كناعنة في ختام مداخلته: نحن أمام لحظة خطيرة لا يمكن التنبؤ بتوقيتها. إسرائيل ستواصل الضغط، وواشنطن تراقب وتحمّل المسؤولية للبنانيين. أما لحظة الانفجار، فلا أحد يعرف متى ستأتي، لكنها باتت أقرب مما يعتقد كثيرون.
ويقف لبنان اليوم على حافة المجهول. المساعدات الدولية معلقة، والحوار الداخلي متوقف، والتوتر مع إسرائيل يتصاعد. بينما تتراجع واشنطن خطوة إلى الوراء، تاركة بيروت تواجه نتائج خياراتها، يبدو أن السؤال لم يعد هل سيحدث التصعيد، بل متى وأين ستكون شرارته الأولى.


