وبين ضغوط الخارج وتباين المواقف في الداخل، يلوح لبنان – كما يصف الباحث السياسي نضال السبع – على حافة مرحلة مفصلية قد تحدد مصيره الأمني والسياسي في الفترة المقبلة.
أزمة تتفاقم وسلاح بلا تسوية
يرى الكاتب والباحث السياسي نضال السبع أن لبنان يعيش مرحلة غاية في الحساسية، إذ يواجه حزب الله أزمة متصاعدة بعد رفضه تسليم السلاح أو الدخول في أي تسوية تُضعف نفوذه العسكري، مؤكداً أن الحزب “ربما لم يدرك بعد تداعيات السابع من أكتوبر”، وما أحدثه من تحولات عميقة في موازين القوى الإقليمية.
ويشير السبع إلى أن الحزب ما زال أسير “فكرة سابقة عن قدراته العسكرية”، رغم أن الواقع، كما يقول، “تغير بشكل كبير، وسوريا سقطت، ونتنياهو حقق انتصاراً في قطاع غزة، فيما تلقى حزب الله ضربة موجعة”.
ويضيف الباحث أن الرسالة التي وجهها الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إلى المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس تعكس موقفاً متصلباً من جانب الحزب، مفاده أنه غير مستعد لتسليم السلاح، وهو ما يجعل لبنان – بحسب السبع – أمام تهديدات حقيقية وجدية تتعلق بأمنه واستقراره، وربما مستقبله السياسي برمّته.
تحذيرات مصرية ووساطة مرتقبة
يكشف نضال السبع أن أجهزة الأمن المصرية نقلت إلى بيروت تحذيرات “شديدة الخطورة”، مفادها أن شيئاً كبيراً يحضر للبنان، داعيةً الحكومة إلى التعامل مع التهديدات الإسرائيلية بنظرة واقعية وجدية.
وبحسب السبع، فإن رئيس المخابرات المصرية سيزور بيروت حاملا هذه الرسائل مباشرة، وربما يسعى إلى فتح خطوط اتصال أو مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل.
ويضيف أن الجهود المصرية تتقاطع مع تحركات أخرى في المنطقة، منها ما قام به الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أرسل مبعوثاً خاصاً إلى لبنان “للبحث في سحب السلاح الفلسطيني الثقيل من المخيمات”، في محاولة لـ”نزع الذريعة التي تتحجج بها إسرائيل لتبرير اعتداءاتها”، وفق قوله.
زيارة أورتاغوس ومهلة قصيرة لنزع السلاح
بحسب نضال السبع، جاءت زيارة مورغان أورتاغوس إلى بيروت في إطار مهمة أميركية عاجلة هدفها منع تدهور الوضع أو توسيع الحرب مع إسرائيل.
ويشير إلى أن المبعوثة الأميركية وصلت “برفقة ضباط إسرائيليين إلى مناطق حدودية بجنوب لبنان”، في رسالة أرادت تل أبيب إظهارها بوضوح، معتبراً أن هذه الخطوة تحمل إنذاراً مبطناً بأن ملف سلاح حزب الله بات على الطاولة بجدية.
ويكشف السبع، نقلاً عن “مرجع حكومي لبناني كبير”، أن أورتاغوس حملت مهلة زمنية لا تتجاوز أسبوعاً لسحب سلاح الحزب، وهو ما وصفه المرجع بأنه وقت قصير جداً وغير واقعي.
ويضيف أن الحكومة اللبنانية نفسها لا تملك معلومات دقيقة عن مستودعات الحزب، وأن التواصل يجري عبر “الآلية الأميركية – الإسرائيلية” التي تتطلب إجراءات مطوّلة.
انفتاح لبناني على المفاوضات
في موازاة ذلك، يؤكد السبع أن لبنان أبدى استعداداً لإجراء مفاوضات مع إسرائيل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، مشيراً إلى أن مرجعاً حكومياً رفيعاً قال في جلسة خاصة إن “لا فرق بين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة”، ما دام الأميركيون حاضرين في الغرفة نفسها وينقلون الرسائل بين الطرفين.
ويعتقد الباحث أن هذا الموقف اللبناني يشير إلى مرونة محتملة قد تشكل “بارقة أمل” للأميركيين في منع توسيع العدوان.
ويضيف أن لبنان مستعد لإحياء اتفاق 27 نوفمبر الذي أرسى وقفاً لإطلاق النار قبل نحو عام، والعمل على إزالة أي عقبات تعترض تنفيذه.
لكن في المقابل، يرى السبع أن “أي انسداد في أفق المفاوضات” قد يدفع إسرائيل إلى شن عملية عسكرية واسعة، وربما تدخل بري في الأراضي اللبنانية، خاصة بعد أن بات الجيش اللبناني يسيطر على نحو 600 مستودع في الجنوب “جنوب خط الليطاني”، في وقت تقلص فيه وجود حزب الله هناك.
انهيار خطوط الإمداد وخلل أمني خطير
يتحدث السبع بوضوح عن انكشاف أمني غير مسبوق داخل حزب الله، مشيراً إلى أن الحزب “مصاب بحالة سرطانية عنوانها الخرق الأمني”، وأن إسرائيل استطاعت خلال 48 ساعة فقط اغتيال ستة من كبار قادته.
ويرى أن هذا الاختراق يعكس هشاشة بنية الحزب بعد الضربات المتلاحقة، مؤكداً أن أي صاروخ يطلقه الحزب لا يمكن تعويضه نظراً لانهيار خطوط الإمداد عبر سوريا وسقوط منظومة الدعم اللوجستي.
ويتابع الباحث أن الحزب “قد يكون قادرا على تجنيد عناصر بشرية جديدة”، لكنه يواجه صعوبات مالية خانقة بسبب تشديد الرقابة على التحويلات القادمة من إيران، وعلى المرافئ والمطارات اللبنانية، ما يجعل قدرته على ترميم ترسانته العسكرية محدودة للغاية.
التفوق الإسرائيلي واستهدافات متصاعدة
في تحليله للمشهد الميداني، يشير نضال السبع إلى أن الفارق في القدرات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله أصبح “شاسعاً”، خصوصاً بعد معركة “الإسناد”، موضحاً أن ما كان الحزب يملكه من توازن ردع في عامي 2000 و2006 تآكل تماماً في السنوات الأخيرة.
ويضيف أن إسرائيل تمتلك “بنك أهداف واسعاً” يشمل مواقع عسكرية وأمنية وحتى شخصيات سياسية وإعلامية، مستشهداً باغتيالات طالت قيادات في غزة وصحفيين فلسطينيين، ما يوحي – بحسبه – بأن تل أبيب تمد قائمة أهدافها لتشمل لبنان أيضاً.
ويتابع أن عمليات الاغتيال اليومية بالطائرات المسيّرة أصبحت “أمراً معتاداً”، بينما لا يزال حزب الله عاجزاً عن سد الثغرات الأمنية أو تحديد كيفية وصول الإسرائيليين إلى قياداته رغم تخلّيهم عن الهواتف وأجهزة النداء.
تباين المواقف داخل الدولة اللبنانية
على الصعيد الداخلي، يرى السبع أن المواقف اللبنانية تشهد تبايناً واضحاً. فالرئيس نبيه بري، وفق قوله، يميل إلى “التهدئة والتوصل إلى حل”، في حين أن الرئيس جوزيف عون يتّبع “سياسة النفس الطويل” ويسعى بهدوء لتقريب وجهات النظر مع الحزب وصولاً إلى حل قضية السلاح.
أما رئيس الحكومة نواف سلام، فيبدو – حسب السبع – أكثر استعجالاً، إذ يسعى خلال فترة عام واحد إلى حل ملف سلاح حزب الله وتجنيب لبنان عدواناً إسرائيلياً محتملاً.
لبنان أمام مفترق حاسم
يخلص نضال السبع إلى أن المشهد الراهن يضع لبنان أمام مفترق خطير: فإما أن ينجح في فتح مسار تفاوضي يضمن خفض التوتر، أو أن ينزلق إلى مواجهة ميدانية لا تُعرف حدودها.
ويرى أن الخرق الأمني داخل الحزب، والانكماش المالي، وتراجع الدعم الإيراني، مقابل الحزم الإسرائيلي والدعم الأميركي، كلها مؤشرات على مرحلة جديدة قد لا يستطيع لبنان تحمل كلفتها.
ويختتم بالقول إن “المنطقة تغيرت، وحزب الله لم يتغير”، وإن استمرار الحزب في رفض تسليم السلاح “قد يجعل من لبنان ساحة مفتوحة لحرب قادمة”، ما لم يتم التوصل إلى صيغة تفاهم تُنقذ البلاد من الانفجار.


