جاء ذلك خلال أول مجلس للمستثمرين تنظمه “أدنوك” الذي أقيم في أبوظبي الأربعاء، والذي شهد أيضاً إعلان أدنوك اعتزام شركاتها الست المُدرجة تقديم توزيعات أرباح بقيمة 158 مليار درهم (43 مليار دولار) حتى عام 2030، وذلك بعد الحصول على الموافقات التنظيمية ذات الصلة، علماً بأن القيمة الإجمالية للأرباح التي تم توزيعها منذ الطرح العام الأوّلي لأسهم أول شركة تم إدراجها في عام 2017 لغاية الآن تبلغ 86 مليار درهم (23 مليار دولار).
وتأتي هذه الخطوة لتعزز الرؤية الاستثمارية طويلة الأجل وتضمن تدفقات نقدية مستقرة ومستدامة للمساهمين.
وخلال مقابلة مع قناة سكاي نيوز عربية، أوضح هزيم سلطان السويدي، الرئيس التنفيذي لشركة بروج، أن الشركة “وزعت أكثر من 15 مليار درهم منذ إدراجها في سوق أبوظبي للأوراق المالية عام 2022″، مؤكدًا أن هذا الحجم من التوزيعات يعكس متانة الأداء المالي وقدرة الشركة على توليد أرباح مستمرة رغم التقلبات التي يشهدها قطاع البتروكيماويات عالميًا.
وأضاف السويدي أن إعلان تثبيت الحد الأدنى لتوزيعات الأرباح حتى عام 2030 يمثل “خطوة استثمارية وفرصة ذهبية للمستثمرين”، موضحًا أن “بروج” تنتهج سياسة قائمة على المرونة والابتكار في خلق القيمة المضافة وتعزيز العائدات على المدى الطويل.
مرونة تشغيلية وإدارة فعّالة للتحديات
أكد الرئيس التنفيذي أن المرونة التشغيلية تشكل أحد المحاور الجوهرية في استراتيجية بروج، مشيرًا إلى أن الشركة تمتلك “ثقافة مؤسسية متقدمة في إدارة المخاطر والتحديات”، وهو ما يفسر قدرتها على الحفاظ على مستويات ربحية مرتفعة في بيئة سوقية شديدة التنافسية.
وأوضح السويدي أن الشركة “أعلنت عن أرباح بلغت 3.7 مليار درهم في عام 2023″، رغم التحديات التي واجهها قطاع البتروكيماويات عالميًا، مشيرًا إلى أن هذا الأداء القوي يعود إلى نجاح الشركة في تنفيذ برامج لخلق القيمة المضافة بلغت 2.2 مليار درهم عبر تحسين إدارة التكاليف ورفع كفاءة المبيعات.
وأشار إلى أن الهامش الربحي للشركة يتراوح بين 17 بالمئة و21 بالمئة منذ دخولها السوق، وهي نسبة تصنفها ضمن الأعلى عالميًا في قطاع البتروكيماويات.
ويرى محللون أن هذه المؤشرات تعكس قدرة بروج على تحقيق توازن مالي مستدام رغم تذبذب الأسعار العالمية للمنتجات البتروكيماوية وتراجع الطلب في بعض الأسواق التقليدية، مؤكدين أن الشركة استفادت من موقعها ضمن منظومة “أدنوك” ومن التكامل الصناعي بين الشركتين في مجالات الإنتاج والتوزيع والتقنية.
تكامل مع استراتيجية أدنوك للاستثمار المستدام
يتكامل أداء “بروج” مع السياسة العامة لمجموعة أدنوك التي تواصل تعزيز مكانتها كمزود موثوق للطاقة عالمياً، مع التركيز على تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية البيئية.
فقد أعلنت “أدنوك” عن توزيعات أرباح مستقرة تعكس ثقتها في استدامة تدفقاتها النقدية، مستفيدة من توسعها في مشاريع الغاز الطبيعي والبتروكيماويات والطاقة النظيفة.
ويُنظر إلى بروج على أنها أحد أركان منظومة القيمة المضافة لأدنوك، إذ تمثل ذراعها المتخصصة في صناعة البولي أوليفين عالية الجودة، ما يدعم توجه الإمارات نحو تنويع مصادر الدخل وتعزيز سلاسل الإمداد الصناعية محليًا وعالميًا.
كما أن السياسة المالية المنضبطة للشركة أسهمت في تعزيز ثقة المستثمرين في سوق أبوظبي للأوراق المالية، حيث تشكل توزيعات أرباح بروج وشركات أدنوك المدرجة عنصر جذب رئيسيًا للاستثمارات المؤسسية الأجنبية.
استحواذ استراتيجي يوسّع الحضور العالمي
وفي إطار التوسع الدولي، أعلن السويدي أن مجموعة بروج الدولية استحوذت على شركة “نوفا للكيماويات”، موضحًا أن هذه الخطوة تمثل “أحد أكبر التطورات في تاريخ المجموعة”، إذ ستجعل الكيان الناتج عن الاندماج رابع أكبر شركة في العالم في مجال البولي أوليفين.
وأوضح أن الصفقة “ستفتح آفاقاً واسعة أمام الشركة في الأسواق الأوروبية وشمال أمريكا”، عبر الاستفادة من التقنيات المتقدمة التي تمتلكها “نوفا”، مشيراً إلى أن هذه الخطوة “ستُحدث نقلة نوعية في التدفقات النقدية وتوسّع قاعدة العملاء بشكل غير مسبوق”.
وبيّن السويدي أن الموافقات التنظيمية على الصفقة اكتملت بنحو شبه كامل، ومن المقرر استكمالها في الربع الأول من عام 2026، لافتاً إلى أن هذا الاستحواذ يعزز موقع بروج كمساهم فاعل في سلاسل الإمداد العالمية للمواد البتروكيماوية.
ويشير مراقبون إلى أن الصفقة تعكس توجه بروج نحو بناء شبكة عالمية أكثر تنوعاً جغرافياً، تقلل من المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسواق الإقليمية وتفتح فرصاً جديدة للتكامل الصناعي والتقني، بما يتماشى مع أهداف أدنوك في خلق منظومة بتروكيماوية متكاملة تمتد عبر عدة قارات.
أداء سوقي مستقر وثقة استثمارية متنامية
منذ إدراجها في سوق أبوظبي للأوراق المالية عام 2022، سجلت “بروج” أداءً مستقراً من حيث القيمة السوقية وحجم التداول، مدعومة بعوائد أرباح ثابتة ومؤشرات مالية قوية.
وتعكس الأرقام المعلنة التزام الشركة بمبادئ الحوكمة والشفافية، حيث تحرص على الإفصاح المنتظم عن نتائجها المالية واستراتيجياتها المستقبلية، ما ساهم في تعزيز جاذبية السهم لدى المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
ويعتبر تثبيت حد أدنى لتوزيعات الأرباح حتى عام 2030 خطوة نادرة في القطاع، إذ تمنح المستثمرين رؤية طويلة المدى حول العائد المتوقع، وتؤكد في الوقت ذاته قدرة الشركة على المحافظة على التدفقات النقدية القوية حتى في ظل تغيرات الأسواق العالمية.
رؤية مستقبلية حتى عام 2030
تتبنى بروج استراتيجية طموحة تمتد حتى عام 2030، تركّز على ثلاثة محاور رئيسية:
1. التوسع الدولي عبر الاستحواذات والشراكات الاستراتيجية.
2. تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال تطبيق أحدث التقنيات الصناعية والتحول الرقمي.
3. الاستدامة البيئية عبر خفض الانبعاثات وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة في جميع مراحل الإنتاج.
وأكد السويدي أن الشركة تعمل على خلق فرص جديدة في أسواق ناشئة من خلال تطوير منتجات عالية القيمة تضيف إلى سلسلة البتروكيماويات المتقدمة، موضحًا أن التركيز لا ينحصر في زيادة حجم الإنتاج فقط، بل يمتد إلى الابتكار في التطبيقات الصناعية المتخصصة، بما في ذلك القطاعات الطبية والبنية التحتية والطاقة النظيفة.
ويرى محللون أن التزام بروج بهذه المحاور يعزز موقعها بين الشركات العالمية الرائدة، خاصة مع تصاعد الطلب العالمي على البولي أوليفين في الصناعات التحويلية، وتنامي الحاجة إلى مواد ذات كفاءة عالية وصديقة للبيئة.
انعكاسات على سوق أبوظبي المالي
من المتوقع أن تسهم الخطوات التي تتخذها بروج في تعزيز السيولة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، خاصة أن توزيعات الأرباح المرتفعة والمستقرة ترفع من جاذبية الأسهم للمستثمرين الباحثين عن العائد الثابت.
كما أن التوسع الدولي لبروج، إلى جانب السياسة المالية المتحفظة لأدنوك، يضيف بعداً مؤسسياً يعزز ثقة المستثمرين الأجانب في البيئة الاستثمارية بدولة الإمارات.
وتشير تحليلات مصرفية إلى أن الاستدامة في توزيع الأرباح تعد من أبرز العوامل التي تميز الشركات الإماراتية المدرجة عن نظيراتها في الأسواق الناشئة، ما يجعل من بروج نموذجًا يُحتذى به في ممارسات الحوكمة والشفافية.
نموذج متكامل
تُجسد نتائج بروج نموذجًا متكاملاً لإدارة النمو في قطاع الطاقة والبتروكيماويات، حيث يجمع بين الربحية المستقرة والتوسع الدولي والالتزام تجاه المستثمرين.
وتؤكد المؤشرات الحالية أن بروج تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانتها بين كبرى الشركات العالمية في صناعة البولي أوليفين، مستندة إلى قاعدة مالية قوية واستراتيجية طويلة الأمد تركز على الابتكار والتكامل الصناعي.
أما إعلان تثبيت توزيعات الأرباح حتى عام 2030 فيعكس وضوح الرؤية وثقة الإدارة في استدامة النمو، فيما يمثل الاستحواذ على “نوفا للكيماويات” نقلة استراتيجية تفتح أمام الشركة أسواقًا جديدة وآفاقًا استثمارية واسعة.